مع بدء مرحلة إعادة الإعمار، تولي الحكومة اهتماماً بالجانب البيئي بهدف التخفيف من آثار التلوث الذي تفاقم جراء الحرب الإرهابية على سورية. فبعد إقرار البرنامج الوطني للتنمية المستدامة بداية العام الجاري، أتى انعقاد المؤتمر البيئي البحثي الخامس تحت عنوان “التخطيط البيئي ودوره في تحقيق التنمية المستدامة” على مدرج جامعة دمشق، في محاولة لإيجاد حلول ناجعة للتخفيف من التدهور البيئي، والتلوث النفطي، والتركيز على الإنتاج الأنظف، والعمارة الخضراء. وبيّن وزير الإدارة المحلية والبيئة المهندس حسين مخلوف أن الحكومة تسعى لتحقيق التنمية المتوازنة والمستدامة، ولا سيما أن بناء أسس التنمية المستدامة يعتبر من أكبر التحديات التي تواجهها المجتمعات لحماية البيئة، وتحقيق النمو الاقتصادي الشامل للجميع، مشيراً إلى أن الحكومة سعت إلى إيلاء البعد البيئي كل الاهتمام، سواءً من خلال سنّ التشريعات التي تحافظ على البيئة ومواردها الطبيعية، وفي مقدمتها القانون رقم 3 لعام 2018 الخاص بإزالة أنقاض الأبنية المتضررة وتحويل هذه الأنقاض من خطر يهدّد البيئة إلى فرصة استثمارية تسمح بالاستفادة منها وإعادة تدويرها، إضافةً إلى القانون رقم 6 الخاص بحماية الحراج وتنمية الثروة الحراجية وإدارتها، ما يتيح تنمية القدرات، ويساعد في تنفيذ الخطط التنموية، ما يدفع ذلك في خلق فرص للعمل، وإيجاد البيئة المناسبة لعودة المهجّرين، والمساهمة في إعادة الإعمار والبناء. وأشار مخلوف إلى أنه تمّ البدء بالعديد من المشاريع التي تُعنى بالبيئة، منها رفع التلوث عن مجرى نهر بردى بفروعه المختلفة، وحماية نبع الفيجة، ورفع المصبات عن النهر، وإعادة بردى إلى ألقه، وتأهيل وصيانة شبكات الصرف الصحي في المناطق التي حررها الجيش العربي السوري، مع إعادة تأهيل الحدائق والمناطق الخضراء، وتشجير المناطق الحراجية، في الوقت الذي تسعى فيه الوزارة، مع كافة الوزارات والجهات المعنية، للنهوض بالواقع البيئي في سورية خلال السنوات القادمة من خلال الوصول إلى تطبيق سياسة متكاملة بالبيئة، وتعمل على الحدّ من التدهور البيئي بالحلول العلمية المبتكرة، وعدم الاعتماد على الحلول التقليدية. وأكد مدير مكتب الفاو بدمشق مايك روبسون أن الاهتمام بقضية البيئة واجب يقع على عاتق الجميع، من خلال التخفيف من آثار تغيرات المناخ وتخفيف انبعاث الغازات، كما أشار إلى أن البيئة السورية تعاني من موجات جفاف متزايدة خاصة في المناطق الوسطى كالبادية، وأتت الحرب على سورية منذ عام 2011 لتفاقم المشكلات البيئية، وذلك عبر الاستخدام الجائر للموارد الطبيعية، وإزالة الغابات لأغراض التدفئة، علماً أن المنظمة تسعى مع جميع الجهات المعنية لحماية البيئة، وتقديم الدعم للحفاظ على الموارد الطبيعية المستدامة لمصلحة المناطق الريفية، وتحقيق الأمن الغذائي. وبيّنت ممثلة برنامج الأمم المتحدة بدمشق رملة ريحاوي أن سورية عانت، ولا تزال، من مشاكل بيئية، أهمها الجفاف، وتراجع التنوّع الحيوي، على الرغم من تنفيذ خطط واستراتيجيات عدّة لمعالجة هذه المشاكل، إلا أنها ازدادت بشدّة بفعل الحرب، وأصبح من الضروري إيجاد حلول فعلية مبتكرة للحدّ منها،
فيما لفت رئيس جامعة دمشق الدكتور محمد ماهر قباقيبي إلى أن مفهوم خدمة المجتمع وتنمية البيئة بات أحد المهام الأساسية للجامعات، والذي يهدف للتفاعل مع المحيط، والمساهمة في وضع الخطط والبرامج من أجل التصدّي للتحدّيات البيئية. وعرضت الدكتورة غادة بلال المشروع الوطني والخطة المتكاملة لإحياء نهر بردى في ظل المشكلات التي تعرّض لها، وتحوّل المجرى إلى قناة بيتونية للصرف الصحي والنفايات، ما أثّر على مختلف نواحي الحياة، وأصبح الوضع البيئي غير جيد، إضافة إلى العديد من المشكلات البيئية التي تعاني منها مدينة دمشق، أهمها تلوث بردى، وتشوّه شبكة الصرف الصحي وفيضانها على مجرى النهر، وما فاقم المشكلة توقف محطة عدرا لمعالجة الصرف الصحي عن العمل، وأشارت إلى ثلاثة سيناريوهات، وهي بناء شبكة صرف كاملة، وإقامة محطة معالجة جديدة، ووضع حلول بيئية سريعة واقتصادية، ومعالجة المشكلة البيئية بشكل مستدام، وإعادة الشكل الحيوي للنهر، وزراعته بالقصبيات، وبالتالي تحقّق عملية التنقية الذاتية على الأفرع السبعة للنهر، علماً أن الجدوى الاقتصادية التقديرية لمشروع إحياء النهر بلغت 10 مليارات ليرة. حضر المؤتمر وزراء الزراعة والإصلاح الزراعي المهندس أحمد القادري، والموارد المائية المهندس حسين عرنوس، والتعليم العالي والبحث العلمي الدكتور بسام إبراهيم، وأمناء فروع جامعة دمشق ودمشق وريفها، ومحافظا دمشق عادل العلبي وريف دمشق علاء منير إبراهيم، وعدد من السفراء ورؤساء المنظمات الشعبية والنقابات المهنية.